وقد تكرر في جوامع الحديث ذكر الخلفاء الإثني عشر من قريش، وفي الصحيحين عدد غير قليل من هذه الأحاديث أيضا ً، كقوله في صحيح مسلم: (( لا يزال هذا الدين قائما ً حتى تقوم الساعة، ويكون عليهم اثنا عشر خليفة…كلهم من قريش)) وفي صحيح البخاري (( يكون بعدي اثنا عشر أميرا ً، وقال كلهم من قريش )).
والمتتبع يرى ارتباكا ً شديدا ً بين شراح السنة وفي شرح هذه الأخبار، وفي تطبيق هؤلاء الخلفاء الإثني عشر وربما التجأ بعض الشراح إلى إدخال يزيد المستهتر، والوليد الفاجر في ضمن هؤلاء الخلفاء الذين يكون الدين عزيزا ً على عهدهم على ما في بعض حمل الحديث.
وهذا الباب الطويل الذي يعقده علماء الحديث في أن الأئمة من قريش، وهذه الروايات الكثيرة التي تكرر هذا القول، طالما وقف النقاد أيضا ً عندها فطال منهم الوقوف، ما معنى اختصاص الإمامة بقريش إذا حصل غير القرشي على ثقة المسلمين، وعلى العصبية التي يشترطها ابن خلدون في الملك، وما معنى تدخل الحديث في تعيين الإمام ‘ذا كان اختياره من حقوق الأمة وحدها، وما معنى تمسك المهاجرين يوم الخلافة ببعض النصوص لحرمان الأنصار.
أليست هذه المميزات تحويرا ً في معنى الاختيار، أليست هذه النصوص توضح للأمة أن وجه المصلحة قد يخفى عليها.
يعين النبي الإمامة في المهاجرين دون الأنصار، وفي قريش دون سائر المسلمين، ليرفع الاختلاف من الأمة على قريش، ثم لا يهمه أن يقع الاختلاف بين المهاجرين من قريش بعد هذا الترشيح، وهذا الإغراء، وقريش التي لم تخضع للإسلام إلا بعد عناء وبلاء، والأمة هي الأمة في مذاهبها وآرائها، ونبي المسلمين هو نبيهم في عطفه ورأفته عليهم، وموقف الموتورين من قبل الإسلام وهو موقفهم في غموضه واضطرابه.
لم يهمل النبي أمر الوصية، ولكن الأمة تقول أنه قد أهمل والتاريخ يساعدها على ما تقول، لأنه كتب بكفّ من أكفّ الأمة.
ترك النبي خليفتين لا يفترقا حتى يردا عليه الحوض وشهد القرآن لكل واحد من هذين الخليفتين بالعصمة والتسديد، وهذا هو المبدأ الحقيقي لفكرة المهدي.
فكرة المهدي نشأت من القول بضرورة وجود إمام معصوم في كل جيل حافظ للشريعة، وقرين للكتاب.
وفي الخاتمة من سجل الخلفاء الإثني عشر، وفي العدد الأخير من قائمة أسمائهم يقع اسم الإمام المهدي المنتظر.
وإذا حتم الدليل وجوده وبقائه لأنه الفرد الأخير من قرناء الكتاب، وإذا أثبت القرآن عصمته وإمامته لأن البقية الباقية من أهل آية التطهير، فليكن مستورا ً إذا أوجبت عليه الظروف أن يستتر، فإن الاختفاء لا يضر بشأن من شؤونه، إذا كان غيره سبب هذا الاختفاء، كما لا يضر بالشمس سترها من وراء السحاب.
أنا لا أنكر ما للأدب الشيعي من الروعة، وما فيه من الجمال، لأن هذه الظاهرة في الأدب الشيعي واضحة يجدها كل قارئ يتذوق الأدب.
أدب الشيعة صدىً لعواطف ملتهبة، أخمد الزمان لهبها أن يظهر، وأطلق الأدب دخانها أن يثور، ففاح كما يفوح الند حين يحترق، وماء الورد حين يتصاعد، وفي الأدب الشيعي رقة الدمع، ورهبة الدم، والحزن للقلوب والكئيبة كالنار حين تنفي خبث الحديد، وتنقي الذهب الإبريز ويستطيع الأديب الشيعي أن يبكي في ثورته، ,وأن يثور في بكائه، وأن يسيطر على الموقف في كلتا الحالتين، لأنه يقلي من شظايا فؤاده.
لم تستطع الشيعة أن تعمل، ولكنها استطاعت أن تقول، والكبت حين يشتد يتصل بأعماق النفس ليمزج العقيدة بالعاطفة، ثم يتصعد مع الزفرات أدبا ً يلهب ويلتهب ويبكي ويستبكي، وفي أنّة الحزين معان لا تستطيع أن تعبر عنها أنّة المعافى، وإن تشابهتا في التوقيع.
هذا ما يجعل أدب الشيعة في القمة من أدب المسلمين، وفي الذروة من أدب العروبة، وهذا بعض ما استفادته الشيعة من يوم الامام الحسين عليه السلام، وأيام العترة في التأريخ، وأيامهم في التأريخ دموع ودماء.
والشيعة حين تكبر يوم الامام الحسين عليه السلام فإنها تريد أن تعترف بالفضل لهذا المنقذ، لأنه استطاع أن يمزج العقيدة الإسلامية بلحومها ودمائها، وأن تؤدي للرسول الأعظم أجر الرسالة بالولاء الصحيح، والولاء الصحيح مشاركة في الأحزان والأفراح، وإذا لم يستطع التأريخ أن يحفظ للعترة يوم فرح فقد حفظ لها أيام الحزن،رعى الله إخواننا من المسلمين، وتجاوز عنهم فيما يصنعون أنهم يأخذون على المحزون أن لا يئن، ويحكمون على المصدور أن لا يتزفّر، يؤاخذون الشيعة حين تبكي لآلامها، وحين تحزن لأوليائها، ويقولونك إن مواساة النبي في أحزانه بدعة، وإن التوجع لآلام أهل البيت ضلال. عذرتكم أيها الإخوان، فإن للحب مجالي يجهلها غير العاشقين الشيعة متيمون بنبيهم، متيمون بأئمتهم، ويرون في هذا الحب أشد أنواع الإتباع.
ينشأ الطفل الإثنا عشري، وعقيدة التوحيد والرسالة ملؤ إدراكه ومداركه، وملؤ سمعه وقلبه، واسم الحسين مع هذه العقيدة في سمو معناها وسمو أهدافها، يمدها من مصرعه بالدم فيحيل العقيدة عاطفة، وتمد هي مصرعه بالعظمة فينعكس عليه جلالها، وترتسم عليه أضواؤها. السید کمال الحیدری
شاهد أيضاً
منهج فهم الإمامة الشيعية 3
اما إذا كنت تعتقد ان الامامة من الأمور الايمانية اولاً وانها من اصول الايمان ثانياً …