الإمامة عهد الله فلا يتولاه أحد إلا بأمره، والإمام أمين الله على هذا العهد فلا أحد سواه، ألم يجعلها الله عهدا ً له في خطابه لإبراهيم، ألا تسمعه حين يقول :(وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما ً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ) وفي الآية الكريمة نظرات تتعلق بالإمامة يذكرها المفسرون والمتكلمون ويشير إليها أهل علم الحديث.
الإمامة عهد الله، والإمام ولي ذلك العهد، هكذا يقول لنا القرآن، وأي بيان أجمع لشرائط الإمامة من هذا التعبير.
هل يمكن أن يعين الله لعهده من لا يؤمن عثاره من الناس، أو من يجوز عليه أن يغير شيئا ً من الأحكام أليس هذا من التناقض الصريح، وإذن فالإمام معصوم يستحيل عليه الخطأ.
وهل يجوز أن يأتمن على الأمة من لا يفي بحاجتها من العلم، ولا يقوم بتسديدها في العمل، أليس هذا مفتاحا ً للطعن في حكمته، وللتشكيك في عهده؛ وإذن فالإمام أعلم الأمة وأتقاها، وأشدها صلة بالله.
والآية الكريمة تجري في هذا البيان على نهج مألوف بين الناس فإن الملوك طالما سمت الولاية من بعدها عهدا ً، وسمّت خلفاءها أولياء ذلك العهد، أفتريد في أمر الإمامة أوضح من هذا التعبير.
وقوله تعالى: ( أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمّن لا يهدي إلا أن يهدي فما لكم كيف تحكمون) وهذه الآية الكريمة تفرض علينا وجود شرطين في الشخص الذي نتبعه.
1- أن يهدي إلى الحق، فلا بد أن يكون عالما ً بالحق ظاهره ومستوره.
2- أن لا يكون محتاجا ً في هداية نفسه إلى إرشاد غيره وهذا هو معنى العصمة، والتسديد الإلهي، وهذان هما الشرطان الأساسيان في الإمامة، اللذان أثبتهما الأدلة المتقدمة.
لم يهمل القرآن أمر الإمامة، ولم يهمل النبي أمر الوصية، ولكن الأمة تقول أنهما أهملا ذلك، والتأريخ يساعد الأمة على ما تقول، لأنه كتب بكف من أكف الأمة، وهل أن يخالف التاريخ عقيدة المؤرخ، وأرجو أن يكون اجتهاد أكابر الأمة خير عاذر لهم عن هذا القول الذي كان بذرة للخلاف بين المسلمين.
ما معنى إذهاب الرجس عن أهل البيت الذي شهد به القرآن، وما معنى التطهير الذي حصره بهم دون غيرهم، أليس هذا شهادة بالعصمة؛ وترشيحا ً للإمامة.
وما معنى هذا التقارن التام بين الثقلين الذي يشهد به النبي الأمين في حديث الثقلين حين يقول: (( لن يفترقا حتى يردا علي الحوض))، ويقول: (( ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا))، أليست هذه وصية بالإتباع وشهادة بالعصمة.
وحديث الثقلين مستفيض بين علماء الحديث، وقد رواه نيّف وعشرون صحابيا ً على ما يقول ابن حجر في الصواعق المحرقة.
العترة والكتاب ثقلان مقترنان، والتمسك بهما حافظ للأمة عن الوقوع في ضلال، والعترة لا تفارق الكتاب حتى يردا على النبي الحوض.
فإذا كان الكتاب معصوما ً لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فلا بد أن تكون العترة نظيرة في ذلك، لأنهما لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض، فلو كانت العترة غير معصومة جاز عليها أن تخطئ فتفارق الكتاب.
وإذا كان الكتاب محيطا ً بعلم كل سيء، وفيه تبيان كل شيء لأنه يقول: (ما فرطنا في الكتاب من شيء) فلا بد أن يكون الثقل الثاني مثله في هذه الإحاطة، لأنهما لن يفترقا أبدا ً حتى يردا عليه الحوض.
وإذا كان الكتاب خالدا ً إلى اليوم الأخير لأنه نظام الشريعة الخالدة، ولن تجد لسنة الله تبديلا ً، فلا بد أن يكون قرينه من العترة باقيا ً إلى اليوم الأخير أيضا ً لأنهما لن يفترقا حتى يردا على النبي الحوض.
هذا ما يقوله النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) في هذا الحديث، ولكن الأمة تقول أن النبي أهمل الوصية، والتأريخ يساعد الأمة على ما تقول.
ولست أريد أن أمضي مع الحديث إلى حد بعيد، وأتعقب هذه النتائج التي يلقيها النبي الأمين، ولست أريد أن أكرر قائمة أسماء الأئمة من أهل البيت، قرناء الكتاب وأمناء الرسول، فإن لها كتبا ً أخرى وضعت في علم الكلام ومباحث العقائد.
ولكني أريد أن أقول: أن المهدي صفة لخاتم هؤلاء الأمناء الذين شهد لهم الكتاب بالتطهير، وجعلهم النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) قرناء للكتاب، فلا بد أن يكون موجودا ً لأن العترة والكتاب لا يفترقان حتى يردا على النبي الحوض، وليكن بعد ذلك ظاهرا ً أو مستورا ً.
هؤلاء الأئمة من أهل البيت في رأي الكتاب، وهؤلاء هم نجوم الاهتداء في رأي السنة، وهؤلاء هم رجال العترة في رأي النبي الأمين حين يخلفهم في الأمة، وحين يضمن للأمة عدم الضلال إذا تمسكت برشدهم.
أما أئمة أهل البيت في التاريخ فقد ذكرت لنا كتب الرجال والتراجم من عموم المسلمين، أنهم العابدون الزاهدون الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.
شاهد أيضاً
منهج فهم الإمامة الشيعية 3
اما إذا كنت تعتقد ان الامامة من الأمور الايمانية اولاً وانها من اصول الايمان ثانياً …