وأمّا أقوال النبيّ صلّى الله عليه وآله في خصوص ذلك فكثيرةٌ لا تكاد تحصى؛ منها قوله صلّى الله عليه وآله: إنّي تاركٌ فيكم الثقلين; كتاب الله وعترتي أهل بيتي، حبلان متّصلان لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً. ثمّ يستطرد الآملي في نقل الأقوال عن أهل البيت عليهم السلام أنفسهم والتي تدلّ على اختصاص التأويل بهم:
منها: ما جاء عن علي أمير المؤمنين عليه السلام: أين الذين زعموا أنّهم الراسخون في العلم دوننا، كذباً وبغياً علينا، أنْ رفعنا الله ووضعهم، وأعطانا وحرمهم، وأدخلنا وأخرجهم، بنا يُستعطى الهدى، ويُستجلى العمى، إنّ الأئمّة من قريش غُرسوا في هذا البطن من هاشم، لا تصلح على سواهم، ولا تصلح الولاة من غيرهم.
ومنها: ما عن عليّ عليه السلام أيضاً: فأين تذهبون؟ وأنّى تؤفكون؟ والأعلام قائمة، والآيات واضحة، والمنار منصوبة، فأين يتاه بكم! وكيف تعمهون وبينكم عترة نبيّكم! وهم أزمّة الحقّ، وأعلام الدِّين، وألسنة الصدق، فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن، ورِدُوهم ورود الهيم العطاش. أيّها الناس، خذوها عن خاتم النبيّين صلّى الله عليه وآله: (إنّه يموت من مات منّا وليس بميّت، ويبلى من بلي منّا وليس ببال) فلا تقولوا بما لا تعرفون، فإنّ أكثر الحقّ فيما تنكرون. ويطيل الآملي هنا في معالجة هذه القضية من وجهة مدرسة أهل البيت عليهم السلام. (ويستعيد إرثاً شيعيّاً معروفاً في هذا الصدد، ويسترجح نفس الأدلّة والأقوال والحجج التي استعان بها المنظّرون الشيعة، لتأكيد النصّ على الإمامة وانحصارها في أهل البيت عليهم السلام. ولن تختلف معالجة الآملي لهذه الحجج والأدلّة عن معالجة غيره. إنّه مذهبيّ بامتياز، بمعنى أنّه يعود إلى حياض انتمائه المذهبي، ويتترّس وراء موروثه ، مستفيداً منه في رسم صورة رؤيته الصوفية لمسألة التأويل والقيّمين عليه.
وكيف كان، فالآملي يرى أنّ الأوصاف التي مرّ ذكرها، وأشار إليها القرآن، ودلّل عليها النبيّ صلّى الله عليه وآله لا تليق إلاّ بهؤلاء، ولا تناسب إلاّ كمالهم). (وبناءً عليه فلا يصدق اسم الرسوخ إلاّ عليهم، ولا يجوز أخذ التأويل إلاّ منهم، وممّن تابعهم على قدم الصدق والاستقامة. ومن تخلّف عنهم في خصوص القرآن وأسراره الحقيقيّة، غرق في بحر الهلاك والضلال والجهل والشفاء، ومن هذا وجبت متابعتهم والاقتداء بهم في الكلّ). ويرى الآملي أنّ من أدلّة اختصاص التأويل بأهل البيت عليهم السلام، تأكيد ثبوته لخاتم الأولياء مقيّداً أي المهدي المنتظر عليه السلام، وافتراض أنّ عصره هو عصر التأويل على ما هو عليه، وفي أجلى صوره وأوضح معانيه. يقول مركّزاً على هذه الفكرة. (فلو لم يكن مخصوصاً بهم وبتابعيهم، لم يكن الله تعالى يقيّد التأويل بالإمام المنتظر منهم المسمّى بالمهدي في قوله: (وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بـِكِتاب فَصَّلْناهُ عَلى عِلْم هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْم يُؤْمِنُونَ * هَلْ يَنْظُرُونَ إلاّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بـِالْحَقِّ فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ). فزمان المهدي إذاً يقتضي ظهور التأويل على ما هو عليه، وظهور الشريعة على ما ينبغي، ورفع المذاهب والملل بحيث لا يبقى إلاّ مذهب واحد ودين واحد، كما أشار إليه الحقّ تعالى في قوله: (يُرِيدُونَ أنْ يُطْفِئوُا نُورَ اللهِ بـِأفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إلاّ أنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أرْسَلَ رَسُولَهُ بـِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)، ولقد أُشير إلى هذا اليوم بخبر منسوب إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول فيه: قال عيسى عليه السلام: نحن نأتيك بالتنزيل، وأمّا التأويل فسيأتي به الفارقليط في آخر الزمان. والفارقليط بلسانهم هو المهدي عليه السلام، فيكون تقديره أنّه سيأتيكم بتأويل القرآن وتحقيقه كما جئنا بتفسير القرآن وتنزيله، لأنّ للقرآن ظاهراً وباطناً، وتأويلاً وتفسيراً ومحكماً ومتشابهاً وغير ذلك من الأحكام).
وكيف كان فلقد عقّب الآملي على هذا السرد بقوله: (إنّ الغرض من كلّ ذلك هو إثبات أنّ التأويل حقّ التأويل بعد أجداده الطاهرين مخصوص به وبزمانه). سید کمال الحیدری