آموزش وردپرس
الرئيسية / نادي الفكر / الفلسفه / فلسفه الدین / الاسلام / حقیقة الاخلاص، القسم الثانی

حقیقة الاخلاص، القسم الثانی

 

الإخلاص لغةً ـ كما عرفت ـ يقابل الشوب؛ فهو الخلوص من كلّ شوب، وينقسم إلى ثلاثة أقسام:

الأوّل: إخلاص العوامّ، وهو ما يوافق المعنى اللغوي، حيث يُراد به تصفية كلّ عمل قلبيّ من كلّ شوب، بحيث يكون لله وحده، أو هو تصفية الأعمال عمّا يشوبها من الحظوظ المتعلّقة بأعراض الدُّنيا.

الثاني: إخلاص الخواصّ، وهو إخراج رؤية العمل من العمل بحيث لا تفتخر في نفسك بالعمل ولا تعتقد أنّك تستحقّ عليه ثواباً، وبهذا الإخلاص يحصل الخلاص من طلب الأعواض، فإنّ العبد وما يملك لسيّده.

الثالث: إخلاص خاصّة الخاصّة، وهو الخلاص من رؤية الإخلاص فإنّ الإخلاص علّة تحتاج إلى الخلاص منها، وذلك بأن ترى أنّ الله تعالى هو الذي أستخلصك، فجعلك مُخلَصاً. ولا ريب أنّ الثاني مستبطن للأوّل لأنّه الأوّل وزيادة، كما أنّ الثالث مستبطن لهما لأنّه هما وزيادة. فالأوّل مطلوب من عامّة الناس وهو الذي يقع في قباله الرياء. فالإخلاص هنا هو مصانعة الوجه الواحد وهو الله تعالى، والرياء هو مصانعة الوجوه وهي الأغيار.

وهذه المرتبة من الإخلاص مهمّة جدّاً رغم أنّها تُمثّل الحدّ الأدنى من الإخلاص في نظر أهل الذوق والتحقيق، وذلك لأنّها تمثّل مرحلة أولى في السلّم التكاملي في دائرة الإخلاص، ثمّ تأتي مرحلة أخرى أكثر دقّة وعمقاً حيث يُراد من الفاعل للعمل سلب فاعليّته فلا ينتظر مقابلاً أو عطاءً أو أجراً على ما أتى لأنّه في واقع الحال لم يأتِ بشيء وإنّما وُفّق لشيء هو كمال بحدّ ذاته، ولازمه الشكر لا انتظار العطاء والأجر، وهذه مرتبة يعرفها ويعيشها أهل الذوق والتحقيق. فالأوّل هو تصفية الفعل من ملاحظة المخلوقين، والثاني هو تصفية النفس من طلب أو انتظار الأجر والثواب، وكيف للعبد وهو مُقرّ بعبوديّته أن ينتظر عوضاً وهو وما يملك ـ إن صحَّ الملك منه ـ لمولاه.

بعبارة أخرى أكثر دقّةً وعمقاً: إنّ المرتبة الأولى من الإخلاص هي الإخلاص في نفس العمل، بتطهيره من كلّ شوب. وأمّا المرتبة الثانية فهي ـ فضلاً عن الإخلاص في العمل ـ مرتبة الإخلاص من العمل، فلا يريد الفاعل عنه عوضاً من الدارين ولا حظّاً من الملكين.

ولا شكّ أنّ هذه المرتبة الثانية شديدة على النفس وصعبة المنال. يُروى أنّه قيل لسهل بن عبد الله التستري: أيّ شيء أشدّ على النفس؟ فقال: الإخلاص، لأنّه ليس لها ـ أي للنفس ـ فيه نصيب. لكنّ صاحب هذه المرتبة على رفعتها ـ حيث يجرّد الفاعل فعله عن فاعليّته إيّاه ـ يرى إخلاصه في عمله. فما قدّمه من عمل، قد طرد الشوب والأغيار عنه ولم يترقّب منه جزاءً ولا شكوراً، ولكنّ هذا الطرد وعدم الترقّب ـ وهو إخلاصه في عمله ـ منظور إليه، فلابدّ من الارتقاء إلى مرتبة أسمى ـ وهي الثالثة ـ فيُخلّص نفسه من رؤيته لإخلاصه، فيكون عمله خالياً من الشوب والنظر إلى الأغيار ـ وهو ملاك الأولى ـ ولا ينتظر من عمله عوضاً ولا أجراً ـ وهو ملاك الثانية ـ ولا يرى ذلك الخلوّ وعدم الانتظار، أي لا يرى ذات الإخلاص ـ وهذا تمام الثالثة ـ وبذلك يكون من المُخلَصين.

يقول أحد المحقّقين: (نقصان كلّ مُخلِص في إخلاصه: رؤية إخلاصه. فإذا أراد الله تعالى أن يخلّص إخلاصه أسقط عن إخلاصه رؤيته لإخلاصه، فيكون مُخلَصاً لا مُخلِصاً), وفي ذلك يقول صاحب الفتوحات:

من أخلص الدينَ فذاك الذي         لنفسه الرحمن يستخلصه

فكـلّ نـقصـان إذا لـم يـكـن        في كـونـه فـإنّـه ينـقُصُه

بعبارة موجزة: إنّ عبادة أرباب الإخلاص هي رسم تجلّيات المحبوب، ولا يوجد في قلوبهم سوى الحقّ المتعالي الواحد، ولا تكون عبادتهم بالرويّة والتفكّر بل تكون بالتحقّق والتجلّي.

 

قد يُقال: كيف لا تكون العبادة بالرويّة والتفكّر مع أنّ الرويّة والتفكّر ممّا حثَّ عليهما الشارع المقدّس، حتّى أنّه ورد أنّ (تفكّر ساعة خيرٌ من عبادة سبعين سنة) ، وأنّ (التفكّر في ملكوت السماوات والأرض عبادة المخلصين) و غير ذلك من النصوص الواردة في المقام؟ فالجواب: إنّ العبادة التي روحها الرويّة والتفكّر مطلوبة شرعاً وتُعدّ مرتبة سلوكية عالية، إلاّ أنّ الرويّة والتفكّر على علوّ شأنهما لا يخرجان عن دائرة عالم الملك، أي ما دام العبد متفكّراً متأمّلاً فهو واقع في حيّز ملكيّ لا ملكوتيّ، بخلاف العبادة التي تكون بالتحقّق والتجلّي فإنّها انعتاق تامّ من عالم الملك وهجرة تامّة إلى غير المتناهي، وحضور دائم بين يديه. ولاشكّ أنّ هنالك فرقاً عظيماً بين التفكّر والتأمّل بغير المتناهي، وبين الحضور بين يديه. فالأولى عبادة المـُستبصرين المحقّقين، والثانية عبادة المـُبصرين المتحقّقين.

فخلص ممّا تقدّم أنّ الإخلاص هو دفع الأغيار بجميع مراتبها عامّها وخاصّها عن مخالطة العمل، سواء ما كان منها أجنبيّاً كالنظر إلى الخلائق أو جنبياً كالنظر إلى النفس الفاعلة، أو أخصّ من ذلك، فلا يبقى في المنزل أحد غير صاحب الدار جلّ وعلا، فهو البارئ والفاعل والناظر، ولا يمكن لأحد أن يبلغ حقيقة الإخلاص حتّى تكون جميع أعماله لله تعالى وأن لا يأمل عوضاً عنها ولا يُحبّ أن يُحمد على شيء منها البتّة، كما جاء ذلك في حديث الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله حيث يقول: (إنّ لكلّ حقٍّ حقيقة، وما بلغ عبدٌ حقيقة الإخلاص حتّى لا يُحبّ أن يُحمد على شيء من عمل لله)، ودون ذلك لا يخرج عن كونه ضرباً من ضُروب الشرك في العبادة أو العمل، وقد ورد في الحديث القدسي عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله أنّه قال: (يقول الله سبحانه: أنا خير شريك، ومن أشرك معي شريكاً في عمله فهو لشريكي دوني لأنّي لا أقبل إلاّ ما خلُص لي).

(السید کمال الحیدری)

 

عن Sahba

شاهد أيضاً

منهج فهم الإمامة الشيعية 3

اما إذا كنت تعتقد ان الامامة من الأمور الايمانية اولاً وانها من اصول الايمان ثانياً …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *